عشق لا يضاهى اسماء حميدة
انت في الصفحة 1 من 8 صفحات
الفصل الأول
كان يوما كئيبا تتساقط فيه الأمطار بغزارة تضيف مزيدا من البرودة على الأجواء
وقفت سيرين عند مدخل المشفى بجسدها النحيل المرتجف ممسكة بتقرير الحمل بيديها اللتين تكسوهما رعشة خفيفة
في التقرير برزت كلمات باردة قاسېة
لم يتم اكتشاف أي حمل
لقد تزوجت منذ ثلاث سنوات كيف لم تصبحي حاملا بعد سألتها والدتها سارة بنبرة مشوبة بالخيبة وهي تشير بإصبعها إلى وجه سيرين
لماذا أنت عديمة الفائدة إلى هذا الحد إذا لم تحملي قريبا فسوف يطردك آل نصران من العائلة ماذا سيحدث لعائلتنا إذا
نظرت سيرين إليها بنظرة فارغة كان لديها الكثير لتقوله لكن الكلمات ظلت عالقة في حلقها
ردت سارة بجفاء
لا أريدك أن تتأسفي أريدك أن تلدي طفل ظافر هل تفهمين ما أقول
شعرت سيرين بضيق شديد في حلقها ولم تعرف كيف ترد على سارة
خلال سنوات زواجها الثلاث كيف يمكنها أن تنجب طفله
حملقت سيرين بسارة تلمح التناقض الشديد بين ضعفها وبين تعجرف والدتها وأخيرا قالت سارة ببرود قبل أن تغادر
حدقت سيرين في أثر سارة المنسحبة بعدم تصديق
هل أخبرتها والدتها للتو أن تبحث عن امرأة أخرى كي ينام معها زوجها
كان قلب الأم باردا مثل المطر المتجمد عن أي أم نتحدث إنها الخذلان في أحقر صوره!
بينما كانت سيرين في طريقها إلى المنزل لم تستطع التوقف عن التفكير في كلمات سارة الوداعية
وفي تلك اللحظة تلقت رسالة على هاتفها
كانت الرسالة من ظافر تحمل في طياتها نفس الكلمات الباردة المعتادة
لن أعود إلى المنزل الليلة
على مدار السنوات الثلاث الماضية من زواجهما لم يقض ظافر ليلة واحدة في المنزل ولم ېلمس سيرين قط كانت مجرد شبح في حياته
بما أن عائلتك جريئة بما يكفي لخداعي وإقناعي بالزواج منك فمن الأفضل أن تكوني مستعدة لقضاء بقية حياتك في عزلة
كانت تعيش في قمة الخيبة زواج مع إيقاف التنفيذ!
قبل ثلاث سنوات قررت عائلتا تهامي ونصران تشكيل تحالف من خلال الزواج كان الاتفاق مبرما على شروط تفيد كلا العائلتين
تلاشت عينا سيرين عند تذكرها لهذا الأمر المؤلم وردت على رسالة ظافر النصية بإجابتها المعتادة
حسنا
كانت الكلمة تحمل في طياتها كل الاستسلام والخضوع الذي عشش في قلبها
ودون أن تدرك انكمشت
تقارير
الحمل التي كانت تحملها بين يديها فتمزقت بعض الشيء بفعل قبضتها المشدودة
شعرت سيرين وكأن حياتها تمزقت كما الأوراق التي بين قبضتيها ومع كل تمزق كان أملها في الحياة يتلاشى أكثر
تحملت سيرين سنوات من الوحدة والبرود عانت العزلة القاسېة والقهر الصامت
كانت تبحث عن دفء في قلب متجمد وعن حنان في عالم بلا روح و
لكن رغم كل ذلك كانت تأمل في معجزة تغير مسار حياتها وتعيد إليها البسمة والدفء
كل شهر في هذا الوقت تشعر سيرين بخمول غير عادي ولم تكلف نفسها عناء تجهيز العشاء بل كانت تتكئ على الأريكة تغفو من حين لآخر
ظل الطنين في أذنها مستمرا ليذكرها بضعف سمعها الذي كان سببا آخر لكراهية ظافر لها
في الساعة الخامسة صباحا رنت ساعة البندول على الحائط بصوت خاڤت فأدركت سيرين متأخرة أنها نامت على الأريكة لذا نهضت مسرعة وذهبت إلى المطبخ لإعداد إفطار ظافر
كان ظافر رجلا دقيقا وصارما بشأن الالتزام بالمواعيد ليس فقط مع نفسه ولكن أيضا مع من حوله وكالمعتاد وصل إلى المنزل في تمام الساعة السادسة تماما
ظافر الرجل الطويل الوسيم ذو البدلة الأنيقة كان يتسم بسلوك هادئ ومتحفظ ولكنه بلا شك كان رجوليا ومع ذلك بالنسبة إلى سيرين كان باردا وبعيدا
لم ينظر حتى إليها مر بجانبها مباشرة وهو ينظر إلى الطعام على الطاولة وقال بسخرية
أنت تفعلين هذا كل يوم هل أنت مربية أم ماذا
على مدى السنوات الثلاث الماضية كانت سيرين تعيش في دوامة متكررة ترتدي نفس الملابس الداكنة وترد على رسائله بنفس الكلمة المفردة
حياتها لم تكن سوى مجرد انعكاس باهت لرغباته وأوامره بلا أي بصيص من الأمل أو التغيير
لو لم يكن هناك تحالف تجاري وخداع من عائلة تهامي لما فكر ظافر في الزواج من امرأة مثل سيرين
عند سماع كلمة مربية عاد الطنين في أذني سيرين التي ابتلعت بصعوبة وشعرت بغصة في حلقها ثم قالت بشجاعة
ظافر هل لديك شخص تحبه
تفاجأ ظافر بسؤالها فأظلمت عيناه
ماذا تقصدين بذلك
رفعت سيرين رأسها وحدقت في عينيه تحاول ابتلاع الصفراء التي تتصاعد في مؤخرة حلقها
إذا كنت تحب شخصا آخر يمكنك أن تكون معها
قبل أن تتمكن من إنهاء كلامها قاطعها ظافر بحدة
أنت مچنونة
بعد مغادرة ظافر جلست سيرين على الشرفة بمفردها تنظر إلى المطر البارد صوت قطرات المطر يتسلل إلى عالمها المخټنق بالصمت
خلعت سماعات الأذن مما جعل العالم يغرق في السكون القاسې
قبل شهر أخبرها طبيبها
سيدة سيرين تهامي هناك تغير مرضي في أعصابك السمعية وبعض الأعصاب القحفية مما تسبب في تدهور سمعك وإذا استمر هذا التغير فقد تفقدين سمعك تماما
ولأنها لم تعتد على عالم صامت توجهت سيرين إلى غرفة المعيشة وشغلت التلفاز ثم
رفعت مستوى الصوت إلى الحد الأقصى مما سمح لها بسماع بعض الأصوات المشتتة
بالمصادفة كان التلفزيون يعرض مقابلة مع دينا
المطربة المشهورة بأغانيها العاطفية
جلست سيرين في محاولة للبحث عن بصيص من الراحة في كلمات وألحان أغانيها متمنية أن تجد في تلك النغمات ما ينقذ قلبها من براثن الوحدة
ارتجفت يدا سيرين وهي تمسك بجهاز التحكم عن بعد وكأنها تمسك على مشاعرها الجياشة
دينا كانت الحب الأول لظافر وأول من شغف قلبه لم ترها سيرين منذ زمن لكنها لم تتغير
دينا ما زالت تحتفظ بجمالها وثقتها تقف أمام الكاميرات بكامل أناقتها مختلفة تماما عن تلك الفتاة الخجولة التي توسلت لعائلة تهامي لرعايتها
عندما سألها المحاور عن سبب عودتها إلى الوطن ردت بشجاعة
عدت لأستعيد حبي الأول
انزلقت من بين يدي سيرين جهاز التحكم عن بعد وكأن قلبها هو الآخر هبط إلى قاع معدتها
ازداد هطول المطر في الخارج كثافة وكأنه يعكس اضطراب مشاعرها
أغلقت سيرين التلفاز في حالة من الارتباك واتجهت لتنظيف بقايا الفطور وعندما وصلت إلى المطبخ اكتشفت أن ظافر قد نسي هاتفه التقطته بيديها المرتجفتين وبدأت تطالع الرسائل غير المقروءة على شاشة القفل
ظافر لا بد أنك كنت تعاني في السنوات الماضية أليس كذلك
أعلم أنك لا تحبها ماذا لو التقينا الليلة لقد اشتقت إليك كثيرا
ظلت سيرين تحدق في الرسائل بلا تعبير حتى أصبحت الشاشة مظلمة مجددا
طلبت سيارة أجرة إلى مكتب ظافر وفي الطريق كانت تحدق عبر النافذة المطر ينهمر بغزارة وكأنه يرفض التوقف يعكس تماما حالتها النفسية المتردية
لم يكن ظافر